السبت، 14 سبتمبر 2013

جمهورية مريضة في نظام هرِم!!

رغم دخول الجزائر خمسينية الاستقلال الثانية
السلطة يحكمها شيوخ في بلد نصف سكانه شباب
لم يحدث وأن شهدت مؤسسات الدولة حالة من الوهن والشلل بمثل ما هي عليه اليوم،بسبب مرض ليس رئيس الجمهورية فحسب بل العديد من المسؤولين الآخرين في هيئات ووزارات حساسة، وهو مؤشر على أن ”دورة الحياة ” مثلما يسميها الزعيم التاريخي حسين آيت أحمد، قد حطت بثقلها لتنذر بأن الجمهورية ليست على ما يرام، لأن النظام الذي يسيّرها قد ” شاخ ” وفي أمسّ الحاجة إلى ”إصلاح” عميق وليس إجراء مجرد عملية ”ليفتينغ”. ويتزامن هذا الوهن الذي دخلت فيه مؤسسات الجمهورية بفعل مرض الرئيس والإبقاء على حالة ”ستاتيكو” مع تطورات إقليمية ودولية تحمل أجندة تدخلات خطيرة ومخططات، يتطلب مواجهتها والتعامل معها، وجود سلطة قوية ومؤسسات أقوى، وهو ما لا يظهر حاليا في الصورة.
لم ينعقد مجلس الوزراء، لأن رئيس الجمهورية مريض، وغاب العربي ولد خليفة رئيس المجلس الشعبي الوطني عن افتتاح الدورة الخريفية لأنه مريض، وظلت الوزارة المنتدبة للشؤون الإفريقية والمغاربية شاغرة منذ عدة أشهر لأن الوزير عبد القادر مساهل مريض. الغريب أن الكل يعترف ابتداء من رئيس الجمهورية نفسه بأن جيل الثورة ”طاب جنانو” في الخطاب فقط، لكن في الممارسة والواقع يحدث أمر آخر.
ليست القضية في تعرض مسؤولي الدولة إلى التعب والمرض، فهو أمر طبيعي يحدث لدى مسؤولي كل الدول في العالم، لكن المشكلة أن مرض أي مسؤول مهما كان وزنه ينعكس مباشرة على السير العادي لمؤسسات الدولة وتحدث حالة من الشلل والجمود السياسي في البلاد وفي المؤسسات الدستورية. فمرض الرئيس بوتفليقة أدخل الحكومة والبرلمان في عملية دوران داخل دائرة مغلقة ترى في ”الجمود” علامة استقرار، حتى وإن كان استقرار شبيه بمياه المستنقع، مياه غير متحركة من فوق وتعفن من تحت. وفي الوقت الذي شهدت الدول الفاعلة في الساحة الدولية بروز وميلاد قيادات شابة، على غرار أوباما وديفيد كامرون وفرانسوا هولاند وبوتين وغيرهم كثيرون، وذلك استجابة للتطورات السياسية والاقتصادية الرهيبة التي كرستها العولمة، فإن الجزائر ظلت تسبح عكس التيار في تعيين واختيار المسؤولين، حيث يتم دوما اللجوء الى ”المتقاعدين” للإشراف على تسيير أهم المؤسسات والقطاعات الوزارية. فهل هو خيار اضطراري في ظل غياب الكفاءات؟ أم أنه خيار مقصود من السلطة للحيلولة دون بروز من ينافسها على مقعد الحكم ؟
كان يمكن تفهّم مثل هذه التعيينات للمتقاعدين في العقود الماضية، لكن أن يستمر نفس النهج حتى والجزائر قد دخلت الخمسينية الثانية للاستقلال، فهو أمر لا يفهم سوى من باب رفض مسؤولي السلطة الاعتراف بما أسماه زعيم الأفافاس حسين آيت أحمد بـ ”دورة الحياة”، وهو ما يعني أن هناك مسؤولين في أعلى هرم الدولة مسكونين بالسلطة إلى حد الموت فيها وليس خارجها. ومن بين نتائج هذا الواقع ما يجري حاليا من تسيير الجمهورية ”عن بعد ”، بسبب مرض الرئيس وعدم قدرته على ممارسة مهامه بشكل طبيعي منذ عدة أشهر، الأمر الذي خلق حالة من ”التكلس” داخل مؤسسات الدولة تنذر حسب سفيان جيلالي بـ ”انفجار”. هذا الوضع لخّصه رئيس الحكومة الأسبق والمرشح للرئاسيات أحمد بن بيتور في إحدى كتاباته، بأن السلطة ‘’فقدت مصداقيتها وقد انتهت صلاحيتها ولا تريد أن تسمع إلا صوتها” من خلال سعيها كما يقول ”الى استغلال على ما يبدو، حكمة شعب قهرته سنوات الدم والفوضى، فهي تتجه لا محالة إلى طريق لا مخرج له وتريد شراء سلم اجتماعي باستثمار أموال ريوع تدرّها ثروات غير متجددة’’. وفي الوقت الذي ”شاخ النظام” ولا يريد أن يتغير، مثلما قال المرحوم عبد الحميد مهري، لا يزال البعض يتساءل لماذا لم تدخل الجزائر نادي مجموعة ”البريكس”، وهي تزخر بإمكانيات مالية وثروات باطنية وطاقات وكوادر شبانية !؟.    

 لقطات تسيء لبوتفليقة ولا تخدمه
رئيس مريض في جمهورية ”طاب جنانها” ترفض التغيير

أصيب غالبية رؤساء الجزائر الذين حكموا قبل عبد العزيز بوتفليقة بالمرض مثله وبعضهم عالج في الخارج مثله، ولكن لا أحد منهم أبدى حرصا على الظهور أمام الجزائريين متعافيا، في حين الصورة تثبت للعيان عكس ذلك، كما فعل بوتفليقة منذ عودته من مشفاه بباريس.
لو صحَ أن السعيد بوتفليقة، كبير مستشاري شقيقه في الرئاسة وفي العائلة، هو صاحب التدبير في ظهور الرئيس بالطريقة التي شوهد عليها عندما استقبل الفريق قايد صالح والوزير الأول عبد المالك سلال، فهو بذلك يضرّ أخاه الأكبر ولا يخدمه، لأن الصورة تعزز القناعة بأن رئيس الجمهورية مريض وعاجز عن أداء المهام والصلاحيات والسلطات المنصوص عليها في الدستور، على عكس تماما الرسالة التي يراد تمريرها من خلال بث هذه الصور وهي أن نزيل قصر المرادية يتابع الأوضاع على الحدود المضطربة، ومهتم بالدخول الاجتماعي والمدرسي وبنتائج الزيارات التي قادت سلال إلى الولايات منذ أن أقعده المرض. أما إن كان الرئيس هو شخصيا مهندس خطة ظهوره بلباس الراحة، ووضع وسادة تحت ذراعه الأيسر لإسناده بسبب التأثر من تبعات الجلطة الدماغية، وأخرى على ظهره، زيادة على ”مسرحية” توجيه التعليمات بصوت لا يكاد يسمع وحمل فنجان القهوة باليد اليمنى التي سلمت من الجلطة، فهو بذلك يسيء لنفسه أولا وللمؤسسة التي يوجد بها منذ أكثر من 14 سنة، بل ويسيء للبلاد بكاملها. والسبب أنه يسوّق صورة عن رئيس خارت قواه بفعل تقدمه في السن ولكن خاصة بفعل المرض. وبذلك فالصور التي شاهدها الجزائريون الأسبوع المنصرم، تحمل معان إنسانية تثير في النفوس الشفقة، ماكان ينبغي بثها لمرمدة أهم رمز في الدولة، لمجرّد إشباع رغبة جامحة في تكذيب الأخبار التي تتحدث عن استحالة قدرة الرئيس على الاستمرار في الحكم. وبالمحصّلة، تقدم اللقطات التي بثها التلفزيون العمومي عن الرئيس وهو يستقبل قايد وسلال، مزيدا من التأكيد بأن بوتفليقة انتهى كرئيس للجزائر، سواء اقتنع صاحب الشأن بهذه الحقيقة أم لم يقتنع، وسواء ابتلعها المنتفعون من سنوات حكمه الحالمون ببقائه في الرئاسة فترة رابعة أم لا. وكان الرئيس صرّح العام الماضي، بأن الجيل الذي ينتمي إليه ”طاب جنانو” بسبب التقدم في السن.
وفهم من هذا الكلام أنه لا يعتزم الترشح لعهدة رابعة وفهم منه أيضا أن المسؤولين مثله الذين طاب جنانهم، يفترض أن يتنحوا من مواقع المسؤولية لأن قانون الطبيعة يفرض ذلك، ولأن عشرات الآلاف من الكوادر الذين تخرجوا من الجامعات حان وقتهم ليلتحقوا بمراكز المسؤولية في تسيير شؤون البلاد. وعلى هذا الأساس ما كان لائقا بث صور لرئيس دولة فاق الـ76 مع رئيس أركان جيش هذه الدولة يقترب من الـ80، يناقشان قضية في أهمية وضع ملتهب كالذي تشهده حدود الجزائر منذ مدة، تستدعي مواجهته طاقات يافعة ”مصحصة” لا تعاني من أي شيء يحول دون الوفاء بأعباء المسؤولية.حمزة توازي

0 التعليقات:

إرسال تعليق